فصل: من فوائد الألوسي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد أبي السعود في الآية:

قال عليه الرحمة:
{مَثْلُهُمْ} زيادة كشف لحالهم وتصويرٌ غِبَّ تصويرِها بِصورة ما يؤدي إلى الخسارة بحسب المآل بصورة ما يفضي إلى الخَسار من حيث النفسُ تهويلًا لها وإبانةً لفظاعتها، فإن التمثيلَ ألطفُ ذريعةٍ إلى تسخير الوهم للعقل، واستنزالِه من مقام الاستعصاء عليه، وأقوى وسيلةٍ إلى تفهيم الجاهل الغبي، وقمعِ سَوْرةِ الجامح الأبي، كيف لا وهو رفعُ الحجاب عن وجوه المعقولات الخفية، وإبرازٌ لها في معرض المحسوسات الجلية، وإبداءٌ للمنكر في صورة المعروف، وإظهارٌ للوحشي في هيئة المألوف، والمَثَلُ في الأصل بمعنى المِثْل والنظير، يقال مِثْل ومَثَل ومثيل، كشِبْهٍ وشَبَه وشبيه، ثم أطلق على القول السائر الذي يُمثّل مضرِبُه بمورده وحيث لم يكن ذلك إلا قولًا بديعًا فيه غرابةٌ صيَّرتْه جديرًا بالتسيير في البلاد وخليقًا بالقبول فيما بين كل حاضرٍ وباد، استعير لكل حال أو صفةٍ أو قصة لها شأن عجيب، وخطرٌ غريب من غير أن يلاحَظ بينها وبين شيءٍ آخرَ تشبيهٌ، ومنه قوله عز وجل: {وَلِلَّهِ المثل الاعلى} أي الوصفُ الذي له شأن عظيم وخطر جليل، وقوله تعالى: {مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون} أي قصتها العجيبةُ الشأن {كَمَثَلِ الذى} أي الذين كما في قوله تعالى: {وَخُضْتُمْ كالذي خَاضُواْ} خلا أنه وُحِّد الضمير في قوله تعالى: {استوقد نَارًا} نظرًا إلى الصورة، وإنما جاز ذلك مع عدم جوازِ وضعِ القائمِ مَقام القائمين، لأن المقصود بالوصف هي الجملة الواقعةُ صلةً له دون نفسه، بل إنما هو صلةٌ لوصف المعارف بها ولأنه حقيق بالتخفيف لاستطالته بصلته، ولذلك بولغ فيه فحُذف ياؤه ثم كسرتُه ثم اقتُصر على اللام في أسماء الفاعلين والمفعولين ولأنه ليس باسم تام بل هو كجزئه، فحقُه ألا يُجمع، ويستوي فيه الواحد والمتعدد كما هو شأن أخواته، وليس الذين جمعَه المصحح بل النونُ فيه مزيدة للدلالة على زيادة المعنى، ولذلك جاء بالياء أبدًا على اللغة الفصيحة، أو قصد به جنسُ المستوقد أو الفوجُ أو الفريقُ المستوقد، والنارُ جوهرٌ لطيف مُضيء حارٌّ محرق، واشتقاقها من نار ينورُ إذا نفَر لأن فيها حركة واضطرابًا واستيقادُها طلبُ وُقودها، أي سطوعها وارتفاع لهبها وتنكيرها للتفخيم {فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ} الإضاءة فرطُ الإنارة كما يعرب عنه قوله تعالى: {هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَاء والقمر نُورًا} وتجيء متعدية ولازمة، والفاء للدلالة على ترتبها على الاستيقاد أي فلما أضاءت النار ما حول المستوقد، أو فلما أضاء ما حوله، والتأنيث لكونه عبارةً عن الأماكن والأشياء، أو أضاءت النارُ نفسها فيما حوله على أن ذلك ظرف لإشراق النارِ المنزّلِ منزلتَها لا لنفسها، أو ما مزيدةٌ و{حوله} ظرف، وتأليفُ الحول للدوران، وقيل: للعام حَوْلٌ لأنه يدور {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ} النور ضوءُ كل نيِّر، واشتقاقه من النار، والضمير للذي، والجمع باعتبار المعنى أي أطفأ الله نارهم التي هي مدار نورِهم، وإنما علِق الإذهابُ النورَ دون نفس النار لأنه المقصودُ بالاستيقاد، لا الاستدفاءِ ونحوه كما ينبئ عنه قوله تعالى: {فَلَمَّا أَضَاءتْ} حيث لم يقل فلما شب ضِرامُها أو نحو ذلك، وهو جوابُ لمّا أو استئنافٌ أجيب به عن سؤال سائل يقول ما بالُهم أشبَهَتْ حالهم حالَ مستوقدٍ انطفأت ناره، أو بدلٌ من جملة التمثيل على وجه البيان، والضمير على الوجهين للمنافقين والجواب محذوف كما في قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ} للإيجاز والأمن من الإلباس، كأنه قيل: فلما أضاءت ما حوله خمَدَت فبقُوا في الظلمات خابطين متحيِّرين خائبين بعد الكدح في إحيائها، وإسنادُ الإذهاب إلى الله تعالى إما لأن الكل بخلقه تعالى، وإما لأن الانطفاءَ حصل بسبب خفيّ، أو أمر سماوي كريح أو مطر وإما للمبالغة كما يؤذن به تعديةُ الفعل بالباء دون الهمزة لما فيه من معنى الاستصحاب والإمساك، يقال: ذهب السلطان بماله إذا أخذه، وما أخذه الله عز وجل فأمسكه فلا مرسلَ له من بعده، ولذلك عُدل عن الضوء الذي هو مقتضى الظاهر إلى النور لأن ذهابَ الضوء قد يجامع بقاءَ النور في الجملة لعدم استلزام عدم القوي لعدم الضعيف، والمراد إزالتُه بالكلية كما يفصح عنه قوله تعالى: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظلمات لاَّ يُبْصِرُونَ} فإن الظلمةَ التي هي عدمُ النور وانطماسُه بالمرة، لاسيما إذا كانت متضاعفة متراكمة متراكبًا بعضُها على بعض كما يفيده الجمع والتنكير التفخيمي وما بعدها من قوله تعالى: {لاَّ يُبْصِرُونَ} لا يتحقق إلا بعد ألا يبقى من النور عينٌ ولا أثر، وإما لأن المراد بالنور ما لا يرضى به الله تعالى من النار المجازية التي هي نارُ الفتنة والفساد كما في قوله تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله} ووصفُها بإضاءة ما حول المستوقد من باب الترشيح، أو النار الحقيقية التي يوقدها الغواة ليتوصلوا بها إلى بعض المعاصي، ويهتدوا بها في طرق العبث والفساد، فأطفأها الله تعالى، وخيب آمالهم، وترك في الأصل بمعنى طرَح وخلَّى، وله مفعول واحد، فضُمِّن معنى التصيير فجرى مَجرى أفعال القلوب قال:
فتركتُه جَزَرَ السِّباع ينُشْنَه ** يقضَمْنَ حُسنَ بنانِه والمِعصَمِ

والظلمة مأخوذة من قولهم: ما ظلمك أن تفعل كذا، أي ما منعك، لأنها تسد البصرَ وتمنعه من الرؤية، وقرئ: {في ظُلْمات} بسكون اللام، و{في ظلمة} بالتوحيد، ومفعول لا يبصرون من قبيل المطروح، كأن الفعل غير متعد، والمعنى أن حالهم العجيبة التي هي اشتراؤهم الضلالةَ التي هي عبارة عن ظلمتي الكفرِ والنفاقِ المستتبعتين لظُلمة سخط الله تعالى، وظلمةِ يوم القيامة: {يَوْمَ تَرَى المؤمنين والمؤمنات يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبأيمانهم} وظلمةِ العقاب السرمدي بالهدى، الذي هو النورُ الفطري المؤيد بما شاهدوه من دلائل الحق أو بالهدى الذي كانوا حصّلوه من التوراة حسبما ذكر كحال من استوقد نارًا عظيمة حتى كاد ينتفع بها فأطفأها الله تعالى، وتركه في ظلمات هائلة لا يتسنى فيها الإبصار. اهـ.

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذي استوقد نَارًا} جملة مقررة لجملة قصة المنافقين المسرودة إلى هنا فلذا لم تعطف على ما قبلها، ولما كان ذلك جاريًا على ما فيه من استعارات وتجوزات مجرى الصفات الكاشفة عن حقيقة المنافقين وبيان أحوالهم عقبه ببيان تصوير تلك الحقيقة وإبرازها في صورة المشاهد بضرب المثل تتميمًا للبيان، فلضرب المثل شأن لا يخفى ونور لا يطفى يرفع الأستار عن وجوه الحقائق ويميط اللثام عن محيا الدقائق ويبرز المتخيل في معرض اليقين ويجعل الغائب كأنه شاهد، وربما تكون المعاني التي يراد تفهيمها معقولة صرفة، فالوهم ينازع العقل في إدراكها حتى يحجبها عن اللحوق بما في العقل فبضرب الأمثال تبرز في معرض المحسوس فيساعد الوهم العقل في إدراكها، وهناك تنجلي غياهب الأوهام ويرتفع شغب الخصام {وَتِلْكَ الامثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 1 2] وقيل: الأشبه أن تجعل موضحة لقوله تعالى: {أُولَئِكَ الذين اشتروا} [البقرة: 6 1] الخ ولا بعد فيه؛ والحمل على الاستئناف بعيد لاسيما والأمثال تضرب للكشف والبيان، والمثل بفتحتين كالمثل بكسر فسكون والمثيل في الأصل النظر والشبيه، والتفرقة لا أرتضيها، وكأنه مأخوذ من المثول وهو الانتصاب ومنه الحديث: «من أحب أن يتمثل له الناس قيامًا فليتبوأ مقعده من النار» ثم أطلق على الكلام البليغ الشائع الحسن المشتمل إما على تشبيه بلا شبيه، أو استعارة رائقة تمثيلية وغيرها، أو حكمة وموعظة نافعة، أو كناية بديعة، أو نظم من جوامع الكلم الموجز، ولا يشترط فيه أن يكون استعارة مركبة خلافًا لمن وهم، بل لا يشترط أن يكون مجازًا، وهذه أمثال العرب أفردت بالتآليف وكثرت فيها التصانيف وفيها الكثير مستعملًا في معناه الحقيقي ولكونه فريدًا في بابه، وقد قصد حكايته لم يجوزوا تغييره لفوات المقصود وتفسيره بالقول السائر الممثل مضربه بمورده يرد عليه أمثال القرآن لأن الله تعالى ابتدأها وليس لها مورد من قبل، اللهم إلا أن يقال إن هذا اصطلاح جديد أو أن الأغلب في المثل ذلك، ثم استعير لكل حال أو قصة أو صفة لها شأن وفيها غرابة.
ومن ذلك: {وَلِلَّهِ المثل الاعلى} [النحل: 0 6] و{مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون} [الرعد: 5 3] وهو المراد هنا في المثل دون التمثيل المدلول عليه بالكاف.
والمعنى حالهم العجيبة الشأن كحال من استوقد نارًا الخ فيما سيكشف عن وجهه إن شاء الله تعالى، فالكاف حرف تشبيه متعلقة بمحذوف خبر عن المبتدأ، وزعم ابن عطية أنها اسم مثلها في قول الأعشى:
أينتهون ولن ينهى ذوي شطط ** كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل

وهذا مذهب ابن الحسن، وليس بالحسن إلا في الضرورة والقول بالزيادة كما في قوله: فصيروا مثل: {كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ} [الفيل: 5] زيادة في الجهل، والذي وضع موضع الذين إن كان ضمير {بِنُورِهِمْ} راجعًا إليه وإلا فهو باق على ظاهره إذ لا ضير في تشبيه حال الجماعة بحال الواحد وجاز هنا وضع المفرد موضع الجمع، وقد منعه الجمهور فلم يجوزوا إقامة القائم مقام القائمين لأن هذا مخالف لغيره لخصوصية اقتضته فإنه إنما وضع ليتوصل به إلى وصف المعارف بالجمل فلما لم يقصد لذاته توسعوا فيه، ولأنه مع صلته كشيء واحد، وعلامة الجمع لا تقع حشوًا فلذا لم يلحقوها به ووضعوه لما يعم كمن وما، والذين ليس جمعًا له بل هو اسم وضع مزيدًا فيه لزيادة المعنى، وقصد التصريح بها ولذا لم يعرف بالحروف كغيره على الأفصح، ولأن استطال بالصلة فاستحق التخفيف حتى بولغ فيه إلى أن اقتصر على اللام في نحو اسم الفاعل، قاله القاضي وغيره، ولا يخلو عن كدر لاسيما الوجه الأخير، وما روي عن بعض النحاة من جواز حذف نون الذين ليس بالمرضي عند المحققين، ولئن تنزل يلتزم عود ضمير الجمع إليه كما في قوله تعالى: {وَخُضْتُمْ كالذي خَاضُواْ} [التوبة: 9 6] على وجه، وقول الشاعر:
يا رب عيسى لا تبارك في أحد ** في قائم منهم ولا فيمن قعد

إلا الذي قاموا بأطراف المسد

وإفراد الضمير لم نسمعه ممن يوثق به ولعله لأن المحذوف كالملفوظ، فالوجه أن يقال إنه نظر إلى ما في الذي من معنى الجنسية العامة إذ لا شبهة في أنه لم يرد به مستوقد مخصوص ولا جميع أفراد المستوقدين والموصول كالمعرف باللام يجري فيه ما يجري فيه، واسم الجنس وإن كان لفظه مفردًا قد يعامل معاملة الجمع ك {عاليهم ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ} [الإنسان: 1 2] وقولهم: الدينار الصفر، والدرهم البيض، أو يقال: إنه مقدر له موصوف مفرد اللفظ مجموع المعنى كالفوج والفريق فيحسن النظام، ويلاحظ في ضمير استوقد لفظ الموصوف، وفي ضمير {بِنُورِهِمْ} معناه، و{استوقدوا} بمعنى أوقدوا، فقد حكى أبو زيد أوقد واستوقد بمعنى كأجاب واستجاب وبه قال الأخفش، وجعل الاستيقاد بمعنى طلب الوقود وهو سطوع النار كما فعل البيضاوي محوج إلى حذف، والمعنى حينئذٍ طلبوا نارًا واستدعوها فأوقدوها {فَلَمَّا أَضَاءتْ} لأن الإضاءة لا تتسبب عن الطلب وإنما تتسبب عن الإيقاد.
والنار جوهر لطيف مضئ محرق، واشتقاقها من نار ينور نورًا إذا نفر لأن فيها على ما تشاهد حركة واضطرابًا لطلب المركز، وكونه من غلط الحس كأنه من غلط الحس، نعم أورد على التعريف أن الإضاءة لا تعتبر في حقيقتها وليست شاملة لما ثبت في الكتب الحكمية أن النار الأصلية حيث الأثير شفافة لا لون لها وكذا يقال في الإحراق، والجواب أن تخصيص الأسماء لأعيان الأشياء حسبما تدرك أو للمعاني الذهنية المأخوذة منها، وأما اعتبار لوازمها وذاتياتها فوظيفة من أراد الوقوف على حقائقها وذلك خارج عن وسع أكثر الناس، والناس يدركون من النار التي عندهم الإضاءة والإحراق ويجعلونهما أخص أوصافها، والتعريف للمتعارف وعدم الإحراق لمانع لا يضر على أن كون النار التي تحت الفلك هادية غير محرقة وإن زعمه بعض الناس أبطله الشيخ، واحتراق الشهب شهاب على من ينكر الإحراق، وأغرب من هذا نفي النار التي عند الأثير؛ وقريب منه القول بأنها ليست غير الهواء الحار جدًا، وقرأ ابن السميقع {كمثل الذين} على الجمع وهي قراءة مشكلة جدًا، وقصارى ما رأيناه في توجيهها أن إفراد الضمير على ما عهد في لسان العرب من التوهم كأنه نطق بمن الذي لها لفظًا ومعنى كما جزم بالذي على توهم من الشرطية في قوله:
كذاك الذي يبغي على الناس ظالما ** تصبه على رغم عواقب ما صنع

أو أنه اكتفى بالإفراد عن الجمع كما يكتفي بالمفرد الظاهر عنه فهو كقوله:
وبالبدو منا أسرة يحفظونها ** سراع إلى الداعي عظام كراكره

أي كراكرهم، أو أن الفاعل في استوقد عائد على اسم الفاعل المفهوم من الفعل كما في قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيات} [يوسف: 5 3] على وجه، والعائد حينئذٍ محذوف على خلاف القياس أي لهم أولًا: عائد في الجملة الأولى اكتفاءً بالضمير من الثانية المعطوفة بالفاء، وفي القلب من كل شيء.
{فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ} {لما} حرف وجود لوجود، أو وجوب لوجوب كما نص عليه سيبويه، أو ظرف بمعنى حين، أو إذ، والإضاءة جعل الشيء مضيئًا نيرًا، أو الإشراق وفرط الإنارة.
وأضاء يكون متعديًا ولازمًا، فعلى الأول: ما موصولة أو موصوفة والظرف صلة أو صفة وهي المفعول والفاعل ضمير النار، وعلى الثاني: فما كذلك وهي الفاعل وأنث فعله لتأويله بمؤنث كالأمكنة والجهات أو الفاعل ضمير النار وما زائدة أو في محل نصب على الظرفية، ولا يجب التصريح بفي حينئذٍ كما توهم لأن الحق أن ما الموصولة أو الموصوفة إذا جعلت ظرفًا فالمراد بها الأمكنة التي تحيط بالمستوقد وهي الجهات الست وهي مما ينصب على الظرفية قياسًا مطردًا فكذا ما عبر به عنها، وأولى الوجوه أن تكون {أضاءت} متعدية و{ما} موصولة إذ لا حاجة حينئذٍ إلى الحمل على المعنى، ولا ارتكاب ما قل استعماله لاسيما زيادة ما هنا حتى ذكروا أنها لم تسمع هنا، ولم يحفظ من كلام العرب جلست ما مجلسًا حسنًا ولا قمت ما يوم الجمعة.
ويا ليت شعري من أين أخذ ذلك الزمخشري وكيف تبعه البيضاوي؟ا وإذا جعل الفاعل ضمير النار والفعل لازم يكون الإسناد إلى السبب لأن النار لم توجد حول المستوقد ووجد ضوؤها فجعل إشراق ضوئها حوله بمنزلة إشراقها نفسها على ما قيل، وهو مبني على أن الظرف إذا تعلق بفعل قاصر له أثر متعد يشترط في تحقق النسبة الظرفية للأثر والمؤثر فلابد في إشراق كذا في كذا من كون الإشراق والمشرق فيه، وهذا كما إذا تعلق الظرف بفعل قاصر كقام زيد في الدار فإن زيدًا والقيام فيها ذاتًا وتبعًا وإلى ذلك مال الزمخشري ومن الناس من اكتفى بوجود الأثر فيه وإن لم يوجد المؤثر فيه بذاته كما في الأفعال المتعدية فأضاءت الشمس في الأرض حقيقة على هذا مجاز على الأول، وحول ظرف مكان ملازم للظرفية والإضافة ويثنى ويجمع فيقال حوليه وأحواله وحوال مثله فيثني على حوالي، ولم نظفر بجمعه فيما حولنا من الكتب اللغوية ولا تقل حواليه بكسر اللام كما في الصحاح.
ولعل التثنية والجمع مع ما يفهم من بعض الكتب أن حول وكذا حوال بمعنى الجوانب وهي مستغرقة ليسا حقيقين، وقيل: باعتبار تقسيم الدائرة كما أشار إليه المولى عاصم أفندي في ترجمة القاموس بالرومية وفيه تأمل، وأصل هذا التركيب موضوع للطواف والإحاطة كالحول للسنة فإنه يدور من فصل أو يوم إلى مثله، ولما لزمه الانتقال والتغير استعمل فيه باعتباره كالاستحالة والحوالة وإن خفي في نحو الحول بمعنى القوة، وقيل: أصله تغير الشيء وانفصاله و{ذهب} الخ جواب {لما} والسببية ادعائية فإنه لما ترتب إذهاب النور على الإضاءة بلا مهلة جعل كأنه سبب له على أنه يكفي في الشرط مجرد التوقف نحو إن كان لي مال حججت والإذهاب متوقف على الإضاءة، والضمير في {بِنُورِهِمْ} للذي أو لموصوفه وجمعه لما تقدم.
واختار النور على النار لأنه أعظم منافعها والمناسب للمقام سباقًا ولحاقًا، وقيل: الجملة متسأنفة جوابًا عما بالهم شبهت حالهم بذلك، أو بدل من جملة التمثيل للبيان والضمير للمنافقين وجواب {لما} محذوف أي خمدت نارهم فبقوا متحيرين، ومثله {فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ} [يوسف: 5 1] وحذفه للإيجاز وأمن الإلباس ولا يخفى ما فيه على من له أدنى إنصاف وإن ارتضاه الجم الغفير، ويجل عن مثل هذا الألغاز كلام الله تعالى اللطيف الخبير.
وإسناد الفعل إليه تعالى حقيقة فهو سبحانه الفعال المطلق الذي بيده التصرف في الأمور كلها بواسطة وبغير بواسطة، ولا يعترض على الحكيم بشيء، وحمل النار على نار لا يرضى الله تعالى إيقادها إما مجازية كنار الفتنة والعداوة للإسلام أو حقيقية أوقدها الغواة للفساد أو الإفساد، فحينئذٍ يليق بالحكيم إطفاؤها وإلا يرتكب المجاز لم يدع إليه إلا اعتزال وإيقاد نار الغواية والإضلال، وعدي بالباء دون الهمزة لما في المثل السائر أن ذهب بالشيء يفهم منه أنه استصحبه وأمسكه عن الرجوع إلى الحالة الأولى ولا كذلك أذهبه فالباء والهمزة وإن اشتركا في معنى التعدية فلا يبعد أن ينظر صاحب المعاني إلى معنى الهمزة والباء الأصليين، أعني الإزالة والمصاحبة والإلصاق.
ففي الآية لطف لا ينكر كيف والفاعل هو الله تعالى القوي العزيز الذي لا رادّ لما أخذه ولا مرسل لما أمسكه.
وذكر أبو العباس أن ذهبت بزيد يقتضي ذهاب المتكلم مع زيد دون أذهبته، ولعله يقول: إن ما في الآية مجاز عن شدة الأخذ بحيث لا يرد أو يجوز أن يكون الله تعالى وصف نفسه بالذهاب على معنى يليق به كما وصف نفسه سبحانه بالمجئ في ظاهر قوله تعالى: {وَجَاء رَبُّكَ} [الفجر: 22] والذي ذهب إليه سيبويه إلى أن الباء بمعنى الهمزة فكلاهما لمجرد التعدية عنده بلا فرق فلذا لا يجمع بينهما.
والنور منشأ الضياء ومبدؤه كما يشير إليه استعمال العرب حيث أضافوا الضياء إليه كما قال ورقة بن نوفل:
ويظهر في البلاد ضياء نور

وقال العباس رضي الله تعالى عنه:
وأنت لما ظهرت أشرقت الأر ** ض وضاءت بنورك الأفق

ولهذا أطلق عليه سبحانه النور دون الضياء، وأشار سبحانه إلى نفي الضياء الذي هو مقتضى الظاهر بنفي النور وإذهابه لأنه أصله وبنفي الأصل ينتفي الفرع، وهذا الذي ذكرنا هو الذي ارتضاه المحققون من أهل اللغة، ومنه يعلم وجه وصف الشريعة المحمدية بالنور في قوله تعالى: {قَدْ جَاءكُمْ مّنَ الله نُورٌ وكتاب مُّبِينٌ} [المائدة: 5 1] والشريعة الموسوية بالضياء في قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاء وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء: 8 4] وفي ذلك إشارة إلى مقام نبينا صلى الله عليه وسلم الجامع الفارق ومزيته على أخيه موسى عليه السلام الذي لم يأت إلا بالفرق ولفرق ما بين الحبيب والكليم:
وكل آي أتى الرسل الكرام بها ** فإنما اتصلت من نوره بهم

وكذا وجه وصف الصلاة الناهية عن الفحشاء والمنكر في حديث مسلم بالنور والصبر بالضياء، ويعلم من هذا أنه أقوى من الضياء كذا قيل واعترض بأنه قد جاء وصف ما أوتيه نبينا صلى الله عليه وسلم بالضياء كما جاء وصف ما أوتيه موسى عليه السلام بالنور وإليه يشير كلام الشيخ الأكبر قدس سره في الفتوحات فتدبر، وذهب بعض الناس إلى أن الضياء أقوى من النور لقوله تعالى: {جَعَلَ الشمس ضِيَاء والقمر نُورًا} [يونس: 5] وعلى هذا يكون التعبير ب {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ} دون ذهب الله بضوئهم دفعًا لاحتمال إذهاب ما في الضوء من الزيادة وبقاء ما يسمى نورًا مع أن الغرض إزالة النور رأسًا، وذكر بعضهم أن كلًا من الضوء والنور يطلق على ما يطلق عليه الآخر فهما كالمترادفين والفرق إنما نشأ من الاستعمال أو الاصطلاح لا من أصل الوضع واللغة، ومن هنا قال الحكماء: إن الضوء ما يكون للشيء من ذاته، والنور ما يكون من غيره، واستعمل الضوء لما فيه حرارة حقيقة كالذي في الشمس، أو مجازًا كالذي ذكر فيما أوتيه موسى عليه السلام مما فيه شدة ومزيد كلفة، ومنه «الصبر ضياء» ومعلوم أنه كاسمه، والنور لما ليس كذلك كالذي في القمر وفيما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الشريعة السهلة السمحة البيضاء، ومنه «الصلاة نور» ولا شك أنها قرة العين وراحة القلب وإلى ذلك يشير: «وجعلت قرة عيني في الصلاة»، «وأرحنا يا بلال» واستعمل النور لما يطرأ في الظلم كما ورد: «كان الناس في ظلمة فرش الله تعالى عليهم من نوره» وقول الشاعر:
بتنا وعمر الليل في غلوائه ** وله بنور البدر فرع أشمط

والضوء ليس كذلك إلى غير ذلك مما لا يخفى على المتتبع، والذي يميل القلب إليه أن الضياء يطلق على النور القوي وعلى شعاع النور المنبسط فهو بالمعنى الأول أقوى وبالمعنى الثاني ولكل مقام مقال ولكل مرتبة عبارة ولا حجر على البليغ في اختيار أحد الأمرين في بعض المقامات لنكتة اعتبرها ومناسبة لاحظها، وآية الشمس لا تدل على أن الضياء أقوى من النور أينما وقع فالله نور السموات والأرض ولله المثل الأعلى وشاع إطلاق النور على الذوات المجردة دون الضوء ولعل ذلك لأن انسياق العرضية منه إلى الذهن أسرع من انسياقها من النور إليه فقد انتشر أنه عرض وكيفية مغايرة للون، والقول بأنه عبارة عن ظهور اللون أو أنه أجسام صغار تنفصل من المضيء فتتصل بالمستضئ مما بين بطلانه في الكتب الحكمية وإن قال بكل بعض من الحكماء، ثم التعبير بالنور هنا دون الضوء يحتمل أن يكون لسر غير ما انقدح في أذهان الناس وهو كونه أنسب بحال المنافقين الذين حرموا الانتفاع والإضاءة بما جاء من عند الله مما سماه سبحانه نورًا في قوله تعالى: {قَدْ جَاءكُمْ مّنَ الله نُورٌ وكتاب} [المائدة: 5 1] فكأن الله عز شأنه أمسك عنهم النور وحرمهم الانتفاع به، ولم يسمه سبحانه ضوءًا لتتأتى هذه الإشارة لو قال هنا ذهب الله بضوئهم بل كساه من حلل أسمائه وأفاض عليه من أنوار آلائه فهو المظهر الأتم والرداء المعلم.
هذا وإضافة النور إليهم لأدنى ملابسة لأنه للنار في الحقيقة لكن لما كانوا ينتفعون به صح إضافته إليهم، وقرأ ابن السميقع وابن أبي عبلة فلما أضاءت ثلاثيًا وتخريجها يعلم مما تقدم، وقرأ اليماني أذهب الله نورهم وفيها تأييد لمذهب سيبويه.
{وَتَرَكَهُمْ فِي ظلمات لاَّ يُبْصِرُونَ} عطف على قوله تعالى: {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ} وهو أوفى بتأدية المراد فيستفاد منه التقرير لانتفاء النور بالكلية تبعًا لما فيه من ذكر الظلمة وجمعها وتنكيرها، وإيراد {لاَّ يُبْصِرُونَ} وجعل الواو للحال بتقدير قد مع ما فيه يقتضي ثبوت الظلمة قبل ذهاب النور ومعه، وليس المعنى عليه والترك في المشهور طرح الشيء كترك العصا من يده أو تخليته محسوسًا كان أو غيره وإن لم يكن في يده كترك وطنه ودينه، وقال الراغب: ترك الشيء رفضه قصدًا واختيارًا أو قهرًا واضطرارًا.
ويفهم من المصباح أنه حقيقة في مفارقة المحسوسات ثم استعير في المعاني، وفي كون الفعل من النواسخ الناصبة للجزأين لتضمينه معنى صير أم لا خلاف والكل هنا محتمل فعلى الأول: {هم} مفعوله الأول، {وفي ظلمات} مفعوله الثاني، و{لاَّ يُبْصِرُونَ} صفة لظلمات بتقدير فيها أو حال من الضمير المستتر، أو من {هم} ولا يجوز أن يكون في ظلمات حالًا، و{لاَّ يُبْصِرُونَ} مفعولًا ثانيًا لأن الأصل في الخبر أن لا يكون مؤكدًا وإن جوزه بعضهم.
وعلى الثاني: {هم} مفعوله، و{فِي ظلمات لاَّ يُبْصِرُونَ} حالان مترادفان من المفعول أو متداخلان، فالأول: من المفعول والثاني: من الضمير فيه أو {فِى ظلمات} متعلق ب {تركهم} و{ظلمات لاَّ يُبْصِرُونَ} حال، والظلمة في المشهور عدم الضوء عما من شأنه أن يكون مستضيئًا، فالتقابل بينهما وبين الضوء تقابل العدم والملكة، واعترض بأن الظلمة كيفية محسوسة ولا شيء من العدم كذلك وبأنها مجعولة كما يقتضيه قوله تعالى: {وَجَعَلَ الظلمات والنور} [الأنعام: 1] والمجعول لا يكون إلا موجودًا، وأجيب عن الأول بمنع الصغرى فإنا إذا غمضنا العين لا نشاهد شيئًا ألبتة كذلك إذا فتحنا العين في الظلمة؛ وعن الثاني بالمنع أيضًا فإن الجاعل كما يجعل الموجود يجعل العدم الخاص كالعمى والمنافي للمجعولية هو العدم الصرف، وقيل: كيفية مانعة من الأبصار فالتقابل تقابل التضاد، واعترض بأنه لو كانت كيفية لما اختلف حال من في الغار المظلم ومن هو في الخارج في الرؤية وعدمها إلا أن يقال المراد أنها كيفية مانعة من إبصار ما فيها فيندفع الاعتراض عنه، وربما يرجح عليه بأنه قد يصدق على الظلمة الأصلية السابقة على وجود العالم دونه كما قيل، وقيل: التقابل بين النور والظلمة تقابل الإيجاب والسلب وجمع الظلمات إما لتعددها في الواقع سواء رجع ضمير الجمع إلى المستوقدين أو المنافقين أو لأنها في الحقيقة، وإن كانت ظلمة واحدة لكنها لشدتها استعير لها صيغة الجمع مبالغة كما قيل رب واحد يعدل ألفًا أو لأنه لما كان لكل واحد ظلمة تخصه جمعت بذلك الاعتبار كذا قالوا.
ومن اللطائف أن الظلمة حيثما وقعت في القرآن وقعت مجموعة والنور حيثما وقع وقع مفردًا، ولعل السبب هو أن الظلمة وإن قلت تستكثر والنور وإن كثر يستقل ما لم يضر، وأيضًا كثيرًا ما يشار بهما إلى نحو الكفر والإيمان والقليل من الكفر كثير والكثير من الإيمان قليل فلا ينبغي الركون إلى قليل من ذاك ولا الاكتفاء بكثير من هذا، وأيضًا معدن الظلمة بهذا المعنى قلوب الكفار {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شتى} [الحشر: 4 1] ومشرق النور بذلك المعنى قلوب المؤمنين وهي كقلب رجل واحد، وأيضًا النور المفاض هو الوجود المضاف وهو واحد لا تعدد فيه كما يرشدك إليه قوله تعالى: {الله نُورُ السموات والأرض} [النور: 5 3] وفي الظلمة لا يرى مثل هذا، وأيضًا الظلمة يدور أصل معناها على المنع فلذا أخذت من قولهم ما ظلمك أن تفعل كذا أي ما منعك، وفي مثلثات ابن السيد الظلم بفتح الظاء شخص كل شيء يسد بصر الناظر يقال لقيته أول ذي ظلم أي أول شخص يسد بصري وزرته والليل ظلم أي مانع من الزيارة فكأنها سميت ظلمة لأنها تسد في المشهور وتمنع الرؤية، فباعتبار تعدد الموانع جمعت ولم يعتبر مثل هذا في أصل معنى النور فلم يجمع إلى غير ذلك وإنما نكرت ظلمات هنا ولم تضف إلى ضميرهم كما أضيف النور اختصارًا للفظ واكتفاءً بما دل عليه المعنى، والظرفية مجازية كيفما فسرت الظلمة على بعض الآراء، و{لاَّ يُبْصِرُونَ} منزل منزلة اللازم لطرح المفعول نسيًا منسيًا، ولعدم القصد إلى مفعول دون مفعول فيفيد العموم، وقرأ الجمهور: {فِى ظلمات} بضم اللام، والحسن وأبو السماك بسكونها، وقوم بفتحها، والكل جمع ظلمة.
وزعم قوم أن {ظلمات} بالفتح جمع ظلم جمع ظلمة فهي جمع الجمع، والعدول إلى الفتح تخفيفًا مع سماعه في أمثاله أسهل من ادعاء جمع الجمع إذ ليس بقياسي ولا دليل قطعي عليه، وقرأ اليماني {في ظلمة} وفي الآية إشارة إلى تشبيه إجراء كلمة الشهادة على ألسنة من ذكر والتحلي بحلية المؤمنين ونحو ذلك مما يمنع من قتلهم ويعود عليهم بالنفع الدنيوي من نحو الأمن والمغانم، وعدم إخلاصهم لما أظهروه بالنفاق الضار في الدين بإيقاد نار مضيئة للانتفاع بها أطفأها الله تعالى فهبت عليهم الرياح والأمطار وصيرت موقدها في ظلمة وحسرة، ويحتمل أنهم لما وصفوا بأنهم {اشتروا الضلالة بالهدى} [البقرة: 16] عقب ذلك بهذا التمثيل لتشبيه هداهم الذي باعوه بالنار المضيئة ما حول المستوقد، والضلالة التي اشتروها وطبع الله تعالى بها على قلوبهم بذهاب الله تعالى بنورهم وتركه إياهم في الظلمات، والتفسير المأثور عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كما أخرجه ابن جرير عنه أن ذلك مثل للإيمان الذي أظهروه لاجتناء ثمراته بنار ساطعة الأنوار موقدة للانتفاع والاستبصار ولذهاب أثره وانطماس نوره بإهلاكهم وإفشاء حالهم بإطفاء الله تعالى إياها وإذهاب نورها، ويحتمل التشبيه وجوهًا أخر.
ومن البطون القرآنية التي ذكرها ساداتنا الصوفية نفعنا الله تعالى بهم أن الآية مثل من دخل طريقة الأولياء بالتقليد لا بالتحقيق فعمل عمل الظاهر وما وجد حلاوة الباطن فترك الأعمال بعد فقدان الأحوال، أو مثل من استوقد نيران الدعوى وليس عنده حقيقة المعنى فأضاءت ظواهره بالصيت والقبول فأفشى الله تعالى نفاقه بين الخلق حتى نبذوه في الآخر ولا يجد مناصًا من الفضيحة يوم تبلى السرائر، وقال أبو الحسن الوراق: هذا مثل ضربه الله تعالى لمن لم يصحح أحوال الإرادة فارتقى من تلك الأحوال بالدعاوى إلى أحوال الأكابر فكان يضيء عليه أحوال إرادته لو صححها بملازمة آدابها فلما مزجها بالدعاوى أذهب الله تعالى عنه تلك الأنوار وبقي في ظلمات دعاويه لا يبصر طريق الخروج منها، نسأل الله تعالى العفو والعافية ونعوذ به من الحور بعد الكور. اهـ.